تحت شفق أحمر , لشمس غاربة .. كان الخليل جالساً مع أصحابه وتلاميذه في ساحة بيته, فدخل عليهم فلاح متعجِّل ومعه إبنه وقال للخليل :
(( سمعتُ بنبوغك في العلم, فجئت بابني إليك ليتعلَّم منك, ولقد جئت من سفر بعيد , والحمار مربوط بحلقة الجدار خلرج بيتك ينتظر عودته بنا إلى القرية )).
ابتسم الخليل وأصحابه من كلام الفلاح وقال الخليل للرجل المتعجل :
(( وماذا تريد ؟؟؟ ))
فقال له الفلاح :
(( أمامك ساعة , ساعة واحدة , لتؤدب ابني فيها بشيء من علم النجوم , وتعلِّمه ما يكفي من النحو , وتلقِّنه ما يحتاج إليه من الطب , وتفهِّمُه فرائض الفقه , وتذكَّر أنَّ الحمار على الباب ينتظر بفارغ الصبر تعليم صغيري هذا ))
كتم الخليل وأصحابه رغبتهم في الضحك , ونظر الخليل إلى ابن الرجل فرآه (فيما قدَّر) معتوهاً ناقص العقل ...
فقال له الخليل :
(( إعلم يا بني أنَّ نجم (الثريا) في وسط السماء ويكفيك ذلك من معرفة علم النجوم , واعلم أن الفاعل مرفوع وبهذه المعرفة بُدئ النحو ولعلَّه بها يُختم , وأعلم أنَّ الإسهال مثل الإمساك خطرٌ على الجسم وهذا هو جوهر علم الطب , وأعرف أنَّه قد مات وترك ابنين فماله وثروته تقسَّم بينهما بالتساوي )).
وعندئذٍ نهض الرجل القروي واقفاً , قائلاً للخليل :
(( شكراً لك يا شيخ البصرة وجزاؤك عندي أنَّني سأحدِّث الناس أنَّك أعلم أهل زمانك , فقد علّمت ولدي في دقائق ما يعجز السؤال عن تعليمه في سنوات )).
ثم قال القروي لابنه :
(( قم يابني فالحمار ينتظر , ولاتنسى ما قاله لك الشيخ ولقد صرنا أنا وأنت أعلم الفلاحين في زماننا )).
وغادر القروي وابنه ساحة البيت وركبا حمارهما ومضيا به مسرعين , وراح الخليل وأصحابه ينظر بعضهم إلى بعض في صمت , ثم انفجروا ضاحكين ...
هل عرفتم من هو شيخ البصرة هذا ؟؟
إنه الخليل بن أحمد الفراهيدي, أبو المعاجم العربية..